فصل: تبعيّة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تبعيّة

التّعريف

1 - التّبعيّة‏:‏ كون الشّيء مرتبطاً بغيره بحيث لا ينفكّ عنه‏.‏

والتّابع‏:‏ هو التّالي الّذي يتبع غيره، كالجزء من الكلّ، والمشروط للشّرط‏.‏

ولا يخرج الاستعمال الاصطلاحيّ عن الاستعمال اللّغويّ‏.‏

أقسام التّبعيّة‏:‏

التّبعيّة قسمان‏:‏

2 - القسم الأوّل‏:‏ ما اتّصل بالمتبوع فيلحق به‏.‏ لتعذّر انفراده عنه‏.‏ ومن أمثلة هذا القسم‏:‏ ذكاة الجنين فإنّها تحصل بذكاة أمّه تبعاً لها، عند الجمهور والصّاحبين من الحنفيّة، خلافاً للإمام أبي حنيفة‏.‏ وذلك مشروط وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح‏)‏‏.‏

ومن أمثلة هذا القسم أيضاً‏:‏ الحمل، فإنّه لا يفرد في البيع، بل يتبع الأمّ بلا خلاف‏.‏

3 - القسم الثّاني‏:‏ ما انفصل عن متبوعه والتحق به‏.‏

ومن أمثلة هذا القسم‏:‏ الصّبيّ إذا أسر معه أحد أبويه، وهذه المسألة على ثلاثة أحوال‏:‏

الأولى‏:‏ أن يسبى الصّبيّ منفرداً عن أبويه، فيصير مسلماً إجماعاً، لأنّ الدّين إنّما يثبت له تبعاً، وقد انقطعت بتبعيّته لأبويه لانقطاعه عنهما‏.‏

الثّانية‏:‏ أن يسبى مع أبويه، فإنّه يكون على دينهما ‏(‏تبعاً‏)‏ وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك والشّافعيّ، وأحمد‏.‏

الثّالثة‏:‏ أن يسبى مع أحد أبويه، فإنّه يتبعه عند أبي حنيفة والشّافعيّ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إن سبي مع أبيه يتبعه، وإن سبي مع أمّه فهو مسلم، لأنّه لا يتبعها في النّسب، فكذلك في الدّين‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من سبي من أولاد الكفّار مع أحد أبويه فإنّه يحكم بإسلامه‏.‏

ومن أمثلته أيضاً‏:‏ ولد المسلم، فإنّه يتبعه في الإسلام، وإن كانت أمّه كافرةً اتّفاقاً‏.‏

أحكام التّبعيّة

4 - التّبعيّة يتعلّق بها جملة من الأحكام، ترجع كلّها إلى قاعدة فقهيّة واحدة، وهي ‏(‏التّابع تابع‏)‏ ومعنى كون التّابع تابعاً‏:‏ هو أنّ ما كان تبعاً لغيره في الوجود لا ينفرد بالحكم، بل يدخل في الحكم مع متبوعه، فإذا بيع حيوان في بطنه جنين دخل الجنين في البيع تبعاً لأمّه، ولا يجوز إفراده بالبيع، ومثل هذا الصّوف على الغنم، واللّبن في الضّرع‏.‏ ومن ذلك ما لو كان التّابع شيئاً لا يقبل الانفكاك عن متبوعه، بأن كان في حكم الجزء، كالمفتاح من القفل، فإنّه يدخل في البيع تبعاً له، أو كان شيئاً جرى في عرف البلد أنّه من مشتملاته، فإنّه يدخل في البيع من غير ذكر‏.‏

فمثلاً بيع الدّار يدخل فيه المطبخ، وفي بيع حديقة زيتون تدخل أشجار الزّيتون‏.‏

هذا، وقد فرّع الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة على قاعدة‏:‏ ‏(‏أنّ التّابع تابع‏)‏ عدداً من القواعد ذكرها الزّركشيّ في المنثور، والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما الأشباه والنّظائر، وقد أشار إليها القرافيّ في الفروق في الفرق التّاسع والتّسعين بعد المائة، الّذي فرّق فيه بين قاعدة ما يتبع العقد عرفاً وما لا يتبعه‏.‏ وتلك القواعد الفرعيّة هي‏:‏

أ - التّابع لا يفرد بالحكم‏:‏

5 - المراد بالتّابع الّذي لا يفرد بالحكم عن متبوعه هو الّذي لا يوجد مستقلّاً بنفسه، بل يكون وجوده تبعاً لوجود متبوعه، بأن يكون جزءاً أو كالجزء منه، فحينئذ لا يصلح أن يكون محلّاً مستقلّاً في العقد ليتعلّق به الحكم، كالجنين في بطن الحيوان، فإنّه لا يصحّ بيعه منفرداً عن أمّه، وكحقّ الشّرب فإنّه لا يصحّ بيعه منفرداً عن الأرض‏.‏

وكمن باع داراً بحقوقها، فإنّ البيع يتناول أرضها وبناءها وما هو متّصل بها ممّا هو من مصلحتها، كالأبواب المنصوبة، دون غيره ممّا ليس من مصالحها، كالكنز والأحجار المدفونة، لأنّ ذلك مودع فيها للنّقل عنها، فأشبه الفرش والسّتور‏.‏

واستثنى الفقهاء من ذلك صوراً يستقلّ التّابع فيها بالحكم عن متبوعه، ومن تلك الصّور‏:‏ إفراد الحمل بالوصيّة دون أمّه بشرط أن يولد حيّاً‏.‏ لأقلّ من ستّة أشهر، وهذا القدر مجمع عليه، وأمّا إن أتت به لأكثر من ستّة أشهر، ففيه تفصيل وخلاف يرجع إليه في مصطلح ‏(‏وصيّة، ثبوت النّسب، والميراث‏)‏‏.‏

ب - من ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته‏:‏

6 - تتناول هذه القاعدة الأصول الّتي تدخل في البيع والشّراء من غير ذكر، وتلك الأصول تدخل تحت أصلين‏:‏

الأوّل‏:‏ كلّ ما كان في الدّار من بناء وغيره يتناوله اسم البيع عرفاً، مثل ملحقات الدّار كالمطبخ والحجارة المثبّتة في الأرض والدّار لا المدفونة‏.‏

الثّاني‏:‏ ما كان متّصلاً اتّصال قرار، كالشّجر فإنّه يدخل في بيع الأرض عند الحنفيّة والمالكيّة بلا ذكر، وعلى أحد الوجهين عند الحنابلة، وهو أيضاً نصّ الشّافعيّ في البيع، ونصّ في الرّهن على عدم الدّخول فيما لو رهن الأرض وأطلق‏.‏

وأمّا الأصحاب فلهم فيما نصّ عليه الإمام الشّافعيّ في البيع والرّهن طرق، أصحّها عند جمهور أصحاب الشّافعيّ‏:‏ تقرير النّصّين ‏(‏أي دخول الشّجر والبناء في البيع عند الإطلاق، وعدم دخولها في الرّهن‏)‏‏.‏ والثّاني‏:‏ فيهما قولان، والثّالث‏:‏ القطع بعدم الدّخول فيهما، قاله ابن سريج، واختاره الإمام والغزاليّ‏.‏

ج - التّابع يسقط بسقوط المتبوع‏:‏

7 - هذه القاعدة ذكرها الزّركشيّ في المنثور والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما‏.‏

ومرادهم بالتّابع الّذي يسقط بسقوط متبوعه ذلك التّابع الّذي يتبع غيره في الوجود، ومن الفروع الّتي تذكرها كتب القواعد لهذه القاعدة‏:‏ أنّ من فاتته صلاة في أيّام الجنون، وقيل بعدم وجوب القضاء، فإنّه لا يستحبّ له قضاء سننها الرّاتبة، لأنّ الفرض سقط فكذا تابعه‏.‏ ومن فاته الحجّ بعدم الوقوف فتحلّل بأفعال العمرة، فلا يأتي بالرّمي والمبيت، لأنّهما تابعان للوقوف وقد سقط‏.‏

وممّا خرج عن هذه القاعدة‏:‏ الأخرس العاجز عن التّلفّظ بالتّكبير، فإنّه يلزمه تحريك لسانه، عند الحنفيّة والشّافعيّة، وعند القاضي من الحنابلة، ولا يلزمه ذلك عند المالكيّة وعند الحنابلة على الصّحيح، بل تكفيه النّيّة، ويكبّر بقلبه، لأنّ تحريك اللّسان للعاجز عن النّطق عبث كما قال الحنابلة، بل قال ابن تيميّة‏:‏ ولو قيل ببطلان الصّلاة بذلك لكان أقوى‏.‏

وممّا خرج عنها أيضاً‏:‏ إمرار الموسى على رأس الأقرع للتّحلّل بالحلق، فإنّه واجب على المختار عند الحنفيّة، وواجب أيضاً عند المالكيّة، لأنّ الحلق عبادة تتعلّق بالشّعر فتنتقل إلى البشرة عند عدمه، وقال الشّافعيّة بالنّدب، والحنابلة بالاستحباب‏.‏

وممّا خرج عنها في غير العبادات‏:‏ ما لو أقرّ أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت النّسب بالإجماع، لأنّ النّسب لا يتبعّض فلا يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون المنكر، ولا يمكن إثباته في حقّهما، لأنّ أحدهما منكر، ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب، ولكنّه يشارك المقرّ في الميراث في قول أكثر أهل العلم، لأنّه أقرّ بسبب مال لم يحكم ببطلانه، فلزمه المال‏.‏ هذا، وذكر السّيوطيّ وابن نجيم قاعدةً أخرى قريبةً من هذه القاعدة، وهي قولهم ‏(‏الفرع يسقط إذا سقط الأصل‏)‏ وجاء في شرح المجلّة‏:‏ أنّ هذه القاعدة مطّردة في المحسوسات والمعقولات‏.‏ فالشّيء الّذي يكون وجوده أصلاً لوجود شيء آخر يتبعه في الوجود، يكون ذلك فرعاً مبتنياً عليه، كالشّجرة إذا ذوت ذوى ثمرها، وكالإيمان باللّه تعالى أصل وجميع الأعمال فروعه، فإذا سقط الإيمان - والعياذ باللّه تعالى - حبطت الأعمال، لأنّ اعتبارها مبنيّ عليه‏.‏

ومن فروعها قولهم‏:‏ إذا برئ الأصيل برئ الضّامن، أي الكفيل لأنّه فرعه بخلاف العكس‏.‏ وقد يثبت الفرع وإن لم يثبت الأصل، كما لو ادّعى الزّوج الخلع، وأنكرت الزّوجة، ثبتت البينونة بلا خلاف، لأنّه مقرّ بما يوجبها، وإن لم يثبت المال الّذي هو الأصل‏.‏

د - يغتفر في التّوابع ما لا يغتفر في غيرها‏:‏

8 - هذه القاعدة ذكرها السّيوطيّ وابن نجيم، وقريب منها قولهم‏:‏ يغتفر في الشّيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً، وقولهم‏:‏ يغتفر في الثّواني ما لا يغتفر في الأوائل، وقولهم‏:‏ أوائل العقود تؤكّد بما لا يؤكّد بها أواخرها، وإنّما اغتفر في ذلك لأنّه قد يكون للشّيء قصداً شروط مانعة، وإذا ثبت ضمناً أو تبعاً لشيء آخر يكون ثبوته ضرورة ثبوته لمتبوعه أو ما هو في ضمنه‏.‏

ومن فروع هذه القاعدة‏:‏ أنّ النّسب لا يثبت ابتداءً بشهادة النّساء، أمّا لو شهدن بالولادة على الفراش يثبت النّسب تبعاً، حتّى لو كانت الشّاهدة في الولادة القابلة وحدها‏.‏

وممّا خرج عن هذه القاعدة ممّا هو عكسها‏:‏ أنّ الفاسق يجوز تقليده القضاء إذا ظنّ صدقه، لكن إذا قلّد عدل ففسق في أثناء قضائه استحقّ العزل، وهو ظاهر مذهب الحنفيّة، وقيل‏:‏ إنّه ينعزل بفسقه، لأنّ عدالته في معنى المشروطة، فقد جاز تقليده ابتداءً ولم يجز انتهاءً في ولايته، فلمّا زالت عدالته زالت ولايته‏.‏

وذكر المالكيّة في هذه المسألة‏:‏ أنّ غير العدل لا يصحّ قضاؤه ولا ينفذ حكمه، لكن قال مالك‏:‏ لا أرى خصال القضاة تجتمع اليوم في أحد، فإن اجتمع منها خصلتان في واحد وهي العلم والورع ولّي‏.‏ وقال القرافيّ‏:‏ إن لم يوجد عدل ولّي أمثل الموجودين‏.‏

وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فلا يصحّ عندهم تولية الفاسق القضاء‏.‏

وعند الشّافعيّة‏:‏ إن تعذّر جمع الشّروط في رجل فولّى سلطان له شوكة فاسقاً نفذ قضاؤه للضّرورة، لئلاّ تتعطّل مصالح النّاس‏.‏

وقال العزّ بن عبد السّلام‏:‏ لمّا كان تصرّف القضاة أعمّ من تصرّف الأوصياء ‏(‏الّذين يشترط فيهم العدالة‏)‏ وأخصّ من تصرّف الأئمّة ‏(‏وفي اشتراط العدالة فيهم اختلاف‏)‏ اختلف في إلحاقهم بالأئمّة، فمنهم من ألحقهم بالأئمّة، لأنّ تصرّفهم أعمّ من تصرّف الأوصياء، ومنهم من ألحقهم بالأوصياء، لأنّ تصرّفهم أخصّ من تصرّف الأئمّة‏.‏

هـ – التّابع لا يتقدّم على المتبوع‏:‏

9 - من فروع هذه القاعدة‏:‏ أنّه لا يصحّ تقدّم المأموم على إمامه في تكبيرة الافتتاح، ولا في غيرها من الأركان، لحديث‏:‏ «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا‏.‏‏.‏‏.‏» إلخ الحديث‏.‏

و - التّابع لا يكون له تابع‏:‏

10 - من فروع هذه القاعدة‏:‏ لو قطع شخص الأصابع وحدها في جناية وجبت الدّية، فإن قطع اليد من الكوع لم يلزمه أكثر من الدّية، ويجعل الكفّ تبعاً للأصابع، وإن قطع زيادةً على ذلك لم يجعل تبعاً، بل يلزمه للزّيادة حكومة عدل على قدرها، لأنّ التّابع لا يكون له تابع‏.‏ وممّا خرج عنها توكيل الوكيل غيره دون الرّجوع إلى موكّله، فقد ذكر الحنفيّة أنّ للوكيل أن يوكّل في حقوق العقد فيما ترجع الحقوق فيه إليه، لأنّه أصيل فيها، فله أن يوكّل فيها بلا إذن موكّله‏.‏

وفرّق المالكيّة بين الوكيل المفوّض وغير المفوّض، وذكروا أنّ الوكيل المفوّض له أن يوكّل على الأظهر، وأمّا غير المفوّض فليس له أن يوكّل فيما وكّل فيه بلا إذن، إلاّ في حالتين‏:‏ إحداهما‏:‏ ألاّ يليق الفعل به‏.‏

والثّانية‏:‏ أن يكثر بحيث يتعذّر عليه القيام به وحده‏.‏

وذكر الشّافعيّة‏:‏ أنّ الوكيل لو وكّل فيما وكّل فيه، وسكت عنه موكّله، نظر‏:‏ إن كان أمراً يتأتّى له الإتيان به، لم يجز أن يوكّل فيه، وإن لم يتأتّ منه، لكونه لا يحسنه، أو لا يليق بمنصبه، فله التّوكيل على الصّحيح، لأنّ المقصود من مثله الاستنابة‏.‏

والمذهب الّذي عليه الأصحاب عند الحنابلة أنّ الوكيل لا يجوز له أن يوكّل فيما يتولّى مثله بنفسه، ونقل عن الإمام أحمد الجواز‏.‏ وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏وكالة‏)‏‏.‏

ز - العبرة بنيّة المتبوع لا التّابع‏:‏

11 - فمن كان تابعاً لغيره، كالزّوجة التّابعة لزوجها، والجنديّ التّابع لقائده، فإنّ المعتبر في السّفر الّذي يبيح لهما القصر والفطر نيّة المتبوع دون التّابع، لأنّ نيّة المتبوع تنسحب على التّابع، فيعطى حكمه، فتتبع المرأة زوجها، والجنديّ قائده، هذا عند الحنفيّة، والحنابلة وأمّا الشّافعيّة‏:‏ فهم كالحنفيّة والحنابلة في جعلهم نيّة الزّوجة تابعةً لنيّة الزّوج، وخالفوهم في نيّة الجنديّ فلم يجعلوها تابعةً لنيّة الأمير، لأنّه ليس تحت يده وقهره‏.‏

وأمّا المالكيّة فلم يعرضوا لهذه المسألة فيما‏.‏ اطّلع عليه من مراجع‏.‏

ح - ما دخل في البيع تبعاً لا حصّة له من الثّمن‏:‏

12 - وذلك كالأوصاف الّتي تدخل في البيع بلا ذكر، كبناء وشجر في الأرض، وأطراف في الحيوان، وجودة في الكيليّ والوزنيّ، فإنّ هذه الأوصاف لا يقابلها شيء من الثّمن قبل القبض، كما في جامع الفصولين، أو إلاّ إذا ورد عليها القبض كما في شرح الإسبيجابيّ‏.‏ وقد وضع محمّد رحمه الله أصلاً لهذا، وهو‏:‏ كلّ شيء إذا بعته وحده لا يجوز بيعه، وإذا بعته مع غيره جاز، فإذا استحقّ ذلك الشّيء قبل القبض، كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بجميع الثّمن، وإن شاء ترك‏.‏

وكلّ شيء إذا بعته وحده جاز بيعه، فإذا بعته مع غيره فاستحقّ، كان له حصّة من الثّمن‏.‏ والحاصل أنّ ما يدخل في البيع تبعاً إذا استحقّ بعد القبض كان له حصّة من الثّمن، فيرجع على البائع بحصّته، وإن استحقّ قبل القبض، فإن كان لا يجوز بيعه وحده كالشّرب‏.‏ فلا حصّة له من الثّمن، فلا يرجع بشيء، بل يخيّر بين الأخذ بكلّ الثّمن أو التّرك، وإن جاز بيعه وحده كالشّجر كان له حصّة من الثّمن، فيرجع بها على البائع‏.‏

ثمّ إنّ محلّ دخول التّابع في البيع ما لم يذكر، فإن ذكر كان مبيعاً قصداً، حتّى لو فات قبل القبض بآفة سماويّة تسقط حصّته من الثّمن‏.‏ وللتّفصيل ينظر مصطلح ‏(‏بيع‏)‏‏.‏

ط - التّابع مضمون بالاعتداء‏:‏

13 - من فروع هذه القاعدة أنّ من جنى على امرأة حامل فأسقطت ففيه الغرّة‏.‏

ومن ذلك منافع المغصوب وغلّته، فإنّها مضمونة على الغاصب تبعاً للمغصوب عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة خلافاً للحنفيّة‏.‏

تَبْغ

التّعريف

1 - التّبغ ‏(‏بتاء مفتوحة‏)‏ لفظ أجنبيّ دخل العربيّة دون تغيير، وقد أقرّه مجمع اللّغة العربيّة‏.‏ وهو نبات من الفصيلة الباذنجانيّة يستعمل تدخيناً وسعوطاً ومضغاً، ومنه نوع يزرع للزّينة، وهو من أصل أمريكيّ، ولم يعرفه العرب القدماء‏.‏

ومن أسمائه‏:‏ الدّخان، والتُتُن، والتّنباك‏.‏

لكنّ الغالب إطلاق هذا الأخير على نوع خاصّ من التّبغ كثيف يدخّن بالنّارجيلة لا باللّفائف‏.‏

2 - وممّا يشبه التّبغ في التّدخين والإحراق‏:‏ الطّبّاق، وهو نبات عشبيّ معمّر من فصيلة المركّبات الأنبوبيّة الزّهر، وهو معروف عند العرب، خلافاً للتّبغ، والطّبّاق‏:‏ لفظ معرّب‏.‏ وفي المعجم الوسيط‏:‏ الطّبّاق‏:‏ الدّخان، يدخّن ورقه مفروماً أو ملفوفاً‏.‏

3 - وقال الفقهاء عن الدّخّان‏:‏ إنّه حدث في أواخر القرن العاشر الهجريّ وأوائل القرن الحادي عشر، وأوّل من جلبه لأرض الرّوم ‏(‏أي الأتراك العثمانيّين‏)‏ الإنكليز، ولأرض المغرب يهوديّ زعم أنّه حكيم، ثمّ جلب إلى مصر، والحجاز، والهند، وغالب بلاد الإسلام‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالتّبغ

حكم استعماله‏:‏

4 - منذ ظهور الدّخّان - وهو الاسم المشهور للتّبغ - والفقهاء يختلفون في حكم استعماله، بسبب الاختلاف في تحقّق الضّرر من استعماله، وفي الأدلّة الّتي تنطبق عليه، قياساً على غيره، إذ لا نصّ في شأنه‏.‏ فقال بعضهم‏:‏ إنّه حرام، وقال آخرون‏:‏ إنّه مباح، وقال غيرهم‏:‏ إنّه مكروه‏.‏

وبكلّ حكم من هذه الأحكام أفتى فريق من كلّ مذهب، وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

القائلون بتحريمه وأدلّتهم‏:‏

5 - ذهب إلى القول بتحريم شرب الدّخّان من الحنفيّة‏:‏ الشّيخ الشرنبلالي، والمسيريّ، وصاحب الدّرّ المنتقى، واستظهر ابن عابدين أنّه مكروه تحريماً عند الشّيخ عبد الرّحمن العماديّ‏.‏ وقال بتحريمه من المالكيّة‏:‏ سالم السّنهوريّ، وإبراهيم اللّقانيّ، ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون، وخالد بن أحمد، وابن حمدون وغيرهم‏.‏

ومن الشّافعيّة‏:‏ نجم الدّين الغزّيّ، والقليوبيّ، وابن علّان، وغيرهم‏.‏

ومن الحنابلة الشّيخ أحمد البهوتيّ، وبعض العلماء النّجديّين‏.‏

ومن هؤلاء جميعاً من ألّف في تحريمه كاللّقانيّ والقليوبيّ ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون، وابن علّان‏.‏ واستدلّ القائلون بالحرمة بما يأتي‏:‏

6 - أ - أنّ الدّخّان يسكر في ابتداء تعاطيه إسكاراً سريعاً بغيبة تامّة، ثمّ لا يزال في كلّ مرّة ينقص شيئاً فشيئاً حتّى يطول الأمد جدّاً، فيصير لا يحسّ به، لكنّه يجد نشوةً وطرباً أحسن عنده من السّكر‏.‏ أو أنّ المراد بالإسكار‏:‏ مطلق المغطّي للعقل وإن لم يكن معه الشّدّة المطربة، ولا ريب أنّها حاصلة لمن يتعاطاه أوّل مرّة‏.‏ وهو على هذا يكون نجساً، ويحدّ شاربه، ويحرم منه القليل والكثير‏.‏

7- ب - إن قيل‏:‏ إنّه لا يسكر، فهو يحدث تفتيراً وخدراً لشاربه، فيشارك أوّليّة الخمر في نشوته، وقد قالت أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن كلّ مسكر ومفتّر» قال العلماء‏:‏ المفتّر‏:‏ ما يحدث الفتور والخدر في الأطراف وصيرورتها إلى وهن وانكسار، ويكفي حديث أمّ سلمة حجّةً، ودليلاً على تحريمه‏.‏

ولكنّه على هذا لا يكون نجساً ولا يحدّ شاربه، ويحرم القليل منه كالكثير خشية الوقوع في التّأثير، إذ الغالب وقوعه بأدنى شيء منها، وحفظ العقول من الكلّيّات الخمس المجمع عليها عند أهل الملل‏.‏

8- ج - أنّه يترتّب على شربه الضّرر في البدن والعقل والمال، فهو يفسد القلب، ويضعف القوى، ويغيّر اللّون بالصّفرة، ويتولّد من تكاثف دخّانه في الجوف الأمراض والعلل، كالسّعال المؤدّي لمرض السّلّ، وتكراره يسوّد ما يتعلّق به، وتتولّد منه الحرارة، فتكون داءً مزمناً مهلكاً، فيشمله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تَقْتُلُوا أنفسَكم‏}‏ وهو يسدّ مجاري العروق، فيتعطّل وصول الغذاء منها إلى أعماق البدن، فيموت مستعمله فجأةً‏.‏

ثمّ قالوا‏:‏ والأطبّاء مجمعون على أنّه مضرّ، قال الشّيخ عليش‏:‏ أخبر بعض مخالطي الإنكليز أنّهم ما جلبوا الدّخّان لبلاد الإسلام إلاّ بعد إجماع أطبّائهم على منعهم من ملازمته، وأمرهم بالاقتصار على اليسير الّذي لا يضرّ، لتشريحهم رجلاً مات باحتراق كبده وهو ملازمه، فوجدوه سارياً في عروقه وعصبه، ومسوّداً مخّ عظامه، وقلبه مثل إسفنجة يابسة، فمنعوهم من مداومته، وأمروهم ببيعه للمسلمين لإضرارهم‏.‏‏.‏‏.‏ قال الشّيخ عليش‏:‏ فلو لم يكن فيه إلاّ هذا لكان باعثاً للعقل على اجتنابه، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس، فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام، كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه»‏.‏ هذا وفي المراجع الحديثة ما يثبت ضرر التّدخين‏.‏

9- د - في التّدخين إسراف وتبذير وضياع للمال، قال الشّيخ عليش‏:‏ لو سئل الفقهاء - الّذين قالوا‏:‏ السّفه الموجب للحجر تبذير المال في اللّذّات والشّهوات - عن ملازم استعمال الدّخّان، لمّا توقّفوا في وجوب الحجر عليه وسفهه، وانظر إلى ما يترتّب على إضاعة الأموال فيه من التّضييق على الفقراء والمساكين، وحرمانهم من الصّدقة عليهم بشيء ممّا أفسده الدّخّان على المترفّهين به، وسماحة أنفسهم بدفعها للكفّار المحاربين أعداء الدّين، ومنعها من الإعانة بها على مصالح المسلمين وسدّ خلّة المحتاجين‏.‏

10 - هـ - صدر أمر سلطانيّ من الخليفة العثمانيّ في وقته - بناءً على فتاوى علماء عصره - بمنع استعمال الدّخّان ومعاقبة شاربيه، وحرق ما وجد منه‏.‏ فيعتبر من وجوه تحريمه‏:‏ الخروج عن طاعة السّلطان، فإنّ امتثال أمره واجب في غير ما أجمع على تحريمه، ومخالفته محرّمة‏.‏

11 - و- رائحة الدّخّان منتنة مؤذية، وكلّ رائحة مؤذية فهي ممنوعة، والدّخّان أشدّ من البصل والثّوم في الرّائحة، وقد ورد منع من تناولهما من دخول المسجد، وفرّق بين الرّائحة المنتنة والرّائحة الكريهة، والبصل والثّوم ريحهما مكروه وليس منتناً، والدّخّان ريحه منتن‏.‏

12 - ز - من زعم استعماله تداوياً لم يستعمله استعمال الأدوية، وخرج به إلى حدّ التّفكّه والتّلذّذ، وادّعى التّداوي تلبيساً وتستّراً حتّى وصل به إلى أغراض باطنة من العبث واللّهو والإسطال، ومذهب الحنفيّة حرمته، وعرّفوا العبث‏:‏ بأنّه فعل لغير غرض صحيح، والسّفه‏:‏ بأنّه فعل لا غرض فيه أصلاً واللّعب‏:‏ فعل فيه لذّة‏.‏ وممّن صرّح بحرمة العبث في غير الصّلاة صاحب كتاب الاحتساب متمسّكاً بقول اللّه سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏أفَحَسِبْتُم أنّما خلقناكم عَبَثَاً‏}‏ وصاحب الكافي متمسّكاً بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ شيء يلهو به الرّجل باطل إلاّ رمية الرّجل بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنّهنّ من الحقّ»‏.‏

القائلون بإباحته وأدلّتهم‏:‏

13 - ذهب إلى القول بإباحة شرب الدّخّان من الحنفيّة‏:‏ الشّيخ عبد الغنيّ النّابلسيّ، وقد ألّف في إباحته رسالةً سمّاها ‏(‏الصّلح بين الإخوان في إباحة شرب الدّخّان‏)‏ ومنهم صاحب الدّرّ المختار، وابن عابدين، والشّيخ محمّد العبّاسيّ المهديّ صاحب الفتاوى المهديّة، والحمويّ شارح الأشباه والنّظائر‏.‏

ومن المالكيّة‏:‏ عليّ الأجهوريّ، وله رسالة في إباحته سمّاها ‏(‏غاية البيان لحلّ شرب ما لا يغيّب العقل من الدّخّان‏)‏ ونقل فيها الإفتاء بحلّه عمّن يعتمد عليه من أئمّة المذاهب الأربعة، وتابعه على الحلّ أكثر المتأخّرين من المالكيّة، ومنهم‏:‏ الدّسوقيّ، والصّاويّ، والأمير، وصاحب تهذيب الفروق‏.‏ ومن الشّافعيّة‏:‏ الحفنيّ، والحلبيّ، والرّشيديّ، والشبراملسي، والبابليّ، وعبد القادر بن محمّد بن يحيى الحسينيّ الطّبريّ المكّيّ، وله رسالة سمّاها ‏(‏رفع الاشتباك عن تناول التّنباك‏)‏‏.‏ ومن الحنابلة‏:‏ الكرميّ صاحب دليل الطّالب، وله رسالة في ذلك سمّاها ‏(‏البرهان في شأن شرب الدّخّان‏)‏‏.‏ كذلك قال الشّوكانيّ بإباحته‏.‏

وقد استدلّ القائلون بإباحته بما يأتي‏:‏

14 - أ - أنّه لم يثبت إسكاره ولا تخديره، ولا إضراره ‏(‏عند أصحاب هذا الرّأي‏)‏ وقد عرف ذلك بعد اشتهاره، ومعرفة النّاس به، فدعوى أنّه يسكر أو يخدّر غير صحيحة، فإنّ الإسكار غيبوبة العقل مع حركة الأعضاء، والتّخدير غيبوبة العقل مع فتور الأعضاء، وكلاهما لا يحصل لشاربه‏.‏ نعم من لم يعتده يحصل له إذا شربه نوع غشيان‏.‏ وهذا لا يوجب التّحريم‏.‏ كذا قال الشّيخ حسن الشّطّيّ وغيره‏.‏

وقال الشّيخ عليّ الأجهوريّ‏:‏ الفتور الّذي يحصل لمبتدئ شربه ليس من تغييب العقل في شيء، وإن سلم أنّه ممّا يغيّب العقل فليس من المسكر قطعاً، لأنّ المسكر يكون معه نشوة وفرح، والدّخّان ليس كذلك، وحينئذ فيجوز استعماله لمن لا يغيّب عقله، وهذا يختلف باختلاف الأمزجة، والقلّة والكثرة، فقد يغيّب عقل شخص ولا يغيّب عقل آخر، وقد يغيّب من استعمال الكثير دون القليل‏.‏

15 - ب - الأصل في الأشياء الإباحة حتّى يرد نصّ بالتّحريم، فيكون في حدّ ذاته مباحاً، جرياً على قواعد الشّرع وعموماته، الّتي يندرج تحتها حيث كان حادثاً غير موجود زمن الشّارع، ولم يوجد فيه نصّ بخصوصه، ولم يرد فيه نصّ في القرآن أو السّنّة، فهو ممّا عفا اللّه عنه، وليس الاحتياط في الافتراء على اللّه تعالى بإثبات الحرمة أو الكراهة اللّذين لا بدّ لهما من دليل، بل في القول بالإباحة الّتي هي الأصل، وقد توقّف النّبيّ صلى الله عليه وسلم - مع أنّه هو المشرّع في تحريم الخمر أمّ الخبائث - حتّى نزل عليه النّصّ القطعيّ، فالّذي ينبغي للإنسان إذا سئل عنه أن يقول هو مباح، لكنّ رائحته تستكرهها الطّباع، فهو مكروه طبعاً لا شرعاً‏.‏

16 - ج - إنّ فرض إضراره لبعض النّاس فهو أمر عارض لا لذاته، ويحرم على من يضرّه دون غيره، ولا يلزم تحريمه على كلّ أحد، فإنّ العسل يضرّ بعض النّاس، وربّما أمرضهم، مع أنّه شفاء بالنّصّ القطعيّ‏.‏

17 - د - صرف المال في المباحات على هذا الوجه ليس بسرف، لأنّ الإسراف هو التّبذير، وفسّر ابن مسعود التّبذير بأنّه إنفاق المال في غير حقّه، فإذا كان الإنفاق في حقّه ولو مباحاً فليس بسرف، ودعوى أنّه إسراف فهذا غير خاصّ بالدّخّان‏.‏

18 - هـ - اتّفق المحقّقون على أنّ تحكيم العقل والرّأي بلا مستند شرعيّ باطل، إذ ليس الصّلاح بتحريمه، وإنّما الصّلاح والدّين المحافظة بالاتّباع للأحكام الواردة بلا تغيير ولا تبديل، وهل الطّعن في أكثر النّاس من أهل الإيمان والدّين، والحكم عليهم بالفسق والطّغيان بسبب شربهم الدّخّان، وفي العامّة من هذه الأمّة فضلاً عن الخاصّة، صلاح أم فساد‏؟‏

19 - و - حرّر ابن عابدين أنّه لا يجب تقليد من أفتى بحرمة شرب الدّخّان، لأنّ فتواهم إن كانت عن اجتهاد فاجتهادهم ليس بثابت، لعدم توافر شروط الاجتهاد، وإن كانت عن تقليد لمجتهد آخر، فليس بثابت كذلك لأنّه لم ينقل ما يدلّ على ذلك، فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف يجب تقليدهم‏؟‏‏.‏ ثمّ قال‏:‏ والحقّ في إفتاء التّحليل والتّحريم في هذا الزّمان التّمسّك بالأصلين اللّذين ذكرهما البيضاويّ في الأصول، ووصفهما بأنّهما نافعان في الشّرع‏.‏

الأوّل‏:‏ أنّ الأصل في المنافع‏:‏ الإباحة، والآيات الدّالّة على ذلك كثيرة‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ الأصل في المضارّ‏:‏ التّحريم والمنع لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا ضرر ولا ضرار»‏.‏ ثمّ قال‏:‏ وبالجملة إن ثبت في هذا الدّخّان إضرار صرف عن المنافع فيجوز الإفتاء بتحريمه، وإن لم يثبت إضراره فالأصل الحلّ‏.‏ مع أنّ الإفتاء بحلّه فيه دفع الحرج عن المسلمين، فإنّ أكثرهم يبتلون بتناوله، فتحليله أيسر من تحريمه، فإثبات حرمته أمر عسير لا يكاد يوجد له نصير‏.‏ نعم لو أضرّ ببعض الطّبائع فهو عليه حرام، ولو نفع ببعض وقصد التّداوي فهو مرغوب‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ كذا أجاب الشّيخ محيي الدّين أحمد بن محيي الدّين بن حيدر الكرديّ الجزريّ رحمه الله تعالى‏.‏ وفي تهذيب الفروق‏:‏ من عافاه اللّه من شربه واستعماله بوجه من الوجوه، لا ينبغي أن يحمل النّاس على مختاره، فيدخل عليهم شغباً في أنفسهم وحيرةً في دينهم، إذ من شرط التّغيير لأمر ما أن يكون متّفقاً على إنكاره‏.‏

القائلون بالكراهة وأدلّتهم‏:‏

20 - ذهب إلى القول بكراهة شرب الدّخّان من الحنفيّة‏:‏ ابن عابدين، وأبو السّعود، واللّكنويّ‏.‏ ومن المالكيّة‏:‏ الشّيخ يوسف الصّفتيّ‏.‏ ومن الشّافعيّة‏:‏ الشّروانيّ‏.‏

ومن الحنابلة‏:‏ البهوتيّ، والرّحيبانيّ، وأحمد بن محمّد المنقور التّميميّ‏.‏

واستدلّوا بما يأتي‏:‏

21 - أ - كراهة رائحته، فيكره قياساً على البصل النّيء والثّوم والكرّات ونحوها‏.‏

22 - ب - عدم ثبوت أدلّة التّحريم، فهي تورث الشّكّ، ولا يحرم شيء بمجرّد الشّكّ، فيقتصر على الكراهة لما أورده القائلون بالحرمة‏.‏

حكم شرب الدّخّان في المساجد ومجالس القرآن والعلم والمحافل

23 - لا يجوز شرب الدّخّان في المساجد باتّفاق، سواء قيل بإباحته أو كراهته أو تحريمه، قياساً على منع أكل الثّوم والبصل في المساجد، ومنع آكلهما من دخول المساجد حتّى تزول رائحة فمه، وذلك لكراهة رائحة الثّوم والبصل، فيتأذّى الملائكة والمصلّون منها، ويلحق الدّخّان بهما لكراهة رائحته - والمساجد إنّما بنيت لعبادة اللّه، فيجب تجنيبها المستقذرات والرّوائح الكريهة - فعن جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من أكل البصل والثّوم والكرّات فلا يقربنّ مسجدنا، فإنّ الملائكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم»‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ يمنع في المسجد أكل نحو ثوم وبصل ونحوه ممّا له رائحة كريهة، للحديث الصّحيح في النّهي عن قربان آكل الثّوم والبصل المسجد قال الإمام العينيّ في شرحه على صحيح البخاريّ‏:‏ قلت‏:‏ علّة النّهي أذى الملائكة وأذى المسلمين‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ ويلحق بما نصّ عليه في الحديث‏:‏ كلّ ما له رائحة كريهة مأكولاً أو غيره‏.‏ ونقل ابن عابدين عن الطّحطاويّ‏:‏ إنّ الدّخّان ملحق بالبصل والثّوم في هذا الحكم‏.‏

وقال الشّيخ عليش المالكيّ‏:‏ لا شكّ في تحريم شرب الدّخّان في المساجد والمحافل لأنّ له رائحةً كريهةً، ونقل عن مجموع الأمير في باب الجمعة‏:‏ أنّه يحرم تعاطي ما له رائحة كريهة في المسجد والمحافل‏.‏ وفي الشّروانيّ على تحفة المحتاج‏:‏ يمنع من دخول المسجد ذو الرّائحة الكريهة، كآكل البصل والثّوم، ومنه ريح الدّخّان المشهور الآن‏.‏

24 - كذلك لا يجوز لشارب الدّخّان دخول المسجد حتّى تزول الرّائحة من فمه، قياساً على منع آكل الثّوم والبصل من دخول المسجد حتّى تزول الرّائحة‏.‏

واعتبر الفقهاء أنّ وجود الرّائحة الكريهة، عذر في التّخلّف عن الجمعة والجماعة، إذا لم يفعل ذلك قصداً لإسقاط الجماعة‏.‏ ولا يختصّ المنع بالمساجد، بل إنّه يشمل مجامع الصّلاة غير المساجد، كمصلّى العيد والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وكذا مجامع العلم والذّكر ومجالس قراءة القرآن ونحوها‏.‏

25 - هذا مع اختلاف الفقهاء في منع من في فمه رائحة الدّخّان من دخول المسجد، أو مجامع العبادات، ومجالس القرآن، فحرّمه الحنفيّة والمالكيّة، وكرهه الشّافعيّة والحنابلة‏.‏ كذلك اختلف الفقهاء بالنّسبة للمجامع الّتي ليست للصّلاة أو الذّكر أو قراءة القرآن‏.‏ وذلك كالولائم ومجالس القضاء‏.‏ فأفتى بإباحته في مجالس القضاء الشّيخ محمّد مهديّ العبّاسيّ الحنفيّ شيخ الأزهر ومفتي الدّيار المصريّة‏.‏

وقال الشّيخ عليش المالكيّ‏:‏ يحرم تعاطيه في المحافل‏.‏ وكرهه الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

26 - أمّا الأسواق ونحوها، فقد قال الإمام النّوويّ‏:‏ يلحق بالثّوم والبصل والكرّات كلّ ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها، وقاس العلماء على المساجد مجامع العبادات ومجامع العلم والذّكر والولائم ونحوها‏.‏ ثمّ قال‏:‏ ولا يلتحق بها الأسواق ونحوها‏.‏‏.‏

حكم بيع الدّخّان وزراعته

27 - كان الاختلاف بين الفقهاء بالنّسبة للدّخّان هو في بيان حكم شربه، هل هو حرام أو مباح أو مكروه، وكان التّعرّض لبيان حكم بيعه أو زراعته قليلاً‏.‏

على أنّه يمكن أن يقال في الجملة‏:‏ إنّ الّذين حرّموه يستتبع ذلك عندهم حرمة بيعه وزراعته، والّذين أباحوه يباح عندهم بيعه وزراعته‏.‏ يقول الشّيخ عليش من المالكيّة‏:‏ الحاصل أنّ الدّخّان في شربه خلاف بالحلّ والحرمة، فالورع عدم شربه، وبيعه وسيلةً لشربه، فيعطى حكمه‏.‏ ونورد فيما يلي ما أمكن العثور عليه من أقوال في ذلك‏:‏

28 - من الحنفيّة نقل ابن عابدين عن الشرنبلالي‏:‏ أنّه يمنع من بيع الدّخّان،

ومن المالكيّة، ذكر الشّيخ عليش‏:‏ ما يفيد جواز زراعته وبيعه، فقد سئل في الدّخّان الّذي يشرب في القصبة، والّذي يستنشق به، هل كلّ منهما متموّل‏؟‏ فإذا أتلف شخص شيئاً من أحدهما مملوكاً لغيره يكون عليه الضّمان، أو كيف الحال‏؟‏‏.‏ فأجاب‏:‏ نعم كلّ منهما متموّل، لأنّه طاهر فيه منفعة شرعيّة لمن اختلّت طبيعته باستعماله وصار له كالدّواء، فكلّ منهما كسائر العقاقير الّتي يتداوى بها من العلل، ولا يرتاب عاقل متشرّع في أنّها متموّلة، فكذلك هذان، كيف والانتفاع على الوجه المذكور والتّنافس حاصلان بالمشاهدة‏.‏

فإذا أتلف شخص شيئاً من أحدهما مملوكاً لغيره كان عليه الضّمان، وقد أفتى بعض المتأخّرين بجواز بيع مغيّب العقل بلا نشوة، لمن يستعمل منه القدر اليسير الّذي لا يغيّب عقله، واستظهر فتواه سيّدي إبراهيم اللّقانيّ‏.‏

كذلك سئل الشّيخ عليش‏:‏ عن رجل تعدّى على بصل لآخر أو جزر أو خسّ أو دخّان أو مطلق زرع قبل بدوّ صلاحه، فماذا يلزمه‏؟‏ وهل يعتبر وقت الحصاد، أو ما يقوله أهل المعرفة‏؟‏ وإن كان بعد بدوّ الصّلاح فما الحكم‏؟‏ فأجاب‏:‏ إن تعدّى على الزّرع قبل بدوّ الصّلاح أغرم قيمته يوم التّعدّي على الرّجاء والخوف، وإن تأخّر الحكم عليه بالغرم حتّى رجع الزّرع لحاله سقطت عنه القيمة ويؤدّب المفسد، وإن تعدّى بعد بدوّ الصّلاح أغرم قيمته يوم التّعدّي على البتّ‏.‏ ومن الشّافعيّة‏:‏ جاء في حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج‏:‏ يصحّ بيع الدّخّان المعروف في زماننا، لأنّه طاهر منتفع به أي عند بعض النّاس‏.‏ وجاء في حاشية الشّروانيّ على تحفة المحتاج ما ملخّصه جواز بيعه‏.‏ للخلاف في حرمته ولانتفاع بعض النّاس به‏.‏ كما إذا كان يعلم الضّرر بتركه، وحينئذ فيصحّ بيعه‏.‏ ولم نعثر على نصّ في مذهب الحنابلة، لكن جاء في كشّاف القناع ما يمكن أن يستفاد منه جواز بيعه قياساً‏.‏ قال‏:‏ السّمّ من الحشائش والنّبات، إن كان لا ينتفع به، أو كان يقتل قليله، لم يجز بيعه، وإن انتفع به وأمكن التّداوي بيسيره جاز بيعه، لما فيه من النّفع المباح‏.‏

حكم الدّخّان من حيث الطّهارة والنّجاسة

29 - صرّح المالكيّة والشّافعيّة بطهارة الدّخّان‏.‏ قال الدّردير‏:‏ من الطّاهر الجماد، ويشمل النّبات بأنواعه، قال الصّاويّ‏:‏ ومن ذلك الدّخّان وفي نهاية المحتاج قال الشبراملسي في الحاشية‏:‏ يصحّ بيع الدّخّان المعروف في زماننا، لأنّه طاهر منتفع به‏.‏ وورد مثل ذلك في حاشية الجمل وحاشية الشّروانيّ وحاشية القليوبيّ‏.‏

هذا وقد ذكر القرافيّ في الفرق الأربعين‏:‏ ‏"‏ قاعدة المسكرات والمرقّدات والمفسدات ‏"‏ ‏(‏تنبيه‏)‏ تنفرد المسكرات عن المرقّدات والمفسدات بثلاثة أحكام‏:‏ الحدّ، والتّنجيس، وتحريم اليسير‏.‏ والمرقّدات والمفسدات لا حدّ فيها ولا نجاسة، فمن صلّى بالبنج معه أو الأفيون لم تبطل صلاته إجماعاً‏.‏ هذا وبعض من حرّم الدّخّان وعلّل حرمته بالإسكار فهي عنده نجسة قياساً على الخمر‏.‏ ولم نعثر على نصّ في مذهب الحنفيّة، إلاّ أنّ قواعدهم تدلّ على أنّ الدّخّان طاهر، فقد قال ابن عابدين‏:‏ الأشربة الجامدة كالبنج والأفيون لم نر أحداً قال بنجاستها، ولا يلزم من الحرمة نجاسته، كالسّمّ القاتل، فإنّه حرام مع أنّه طاهر‏.‏ كذلك لم نعثر على نصّ في مذهب الحنابلة، إلاّ أنّه جاء في نيل المآرب‏:‏ المسكر غير المائع طاهر‏.‏

تفطير الصّائم بشرب الدّخّان

30 - اتّفق الفقهاء على أنّ شرب الدّخّان المعروف أثناء الصّوم يفسد الصّيام لأنّه من المفطرات، كذلك يفسد الصّوم لو أدخل الدّخّان حلقه من غير شرب، بل باستنشاق له عمداً، أمّا إذا وصل إلى حلقه بدون قصد، كأن كان يخالط من يشربه فدخل الدّخان حلقه دون قصد، فلا يفسد به الصّوم، إذا لا يمكن الاحتزاز من ذلك‏.‏

وعند الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ إن تعمّد ذلك فعليه القضاء والكفّارة‏.‏

وعند الشّافعيّة والحنابلة عليه القضاء فقط، إذ الكفّارة عندهم تكون بالجماع فقط في نهار رمضان‏.‏ وكذلك يفطر الصّائم بمضغ الدّخّان أو نشوقه، لأنّه نوع من أنواع التّكييف، ويصل طعمه للحلق، ويتكيّف به الدّماغ مثل تكيّفه بالدّخّان الّذي يمصّ بالعود‏.‏

وهذا ما صرّح به المالكيّة، وقواعد المذاهب الأخرى لا تأباه‏.‏

حقّ الزّوج في منع زوجته من شرب الدّخّان

31 - يرى جمهور الفقهاء ‏(‏الحنفيّة والمالكيّة وأحد وجهين عند الشّافعيّة والحنابلة‏)‏ أنّ للزّوج منع زوجته من كلّ ما له رائحة كريهة، كالبصل والثّوم، ومن ذلك شرب الدّخّان المعروف، لأنّ رائحته تمنع كمال الاستمتاع، خصوصاً إذا كان الزّوج لا يشربه‏.‏

والوجه الثّاني عند الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ أنّه ليس له منعها من ذلك لأنّه لا يمنع الوطء‏.‏

التّبغ في نفقة الزّوجة

32 - يرى بعض الشّافعيّة والحنابلة أنّ الزّوجة إن اعتادت شرب الدّخّان تفكّهاً وجب على الزّوج توفيره لها ضمن حقّها في النّفقة‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّه لا يلزمه ذلك وإن تضرّرت بتركه، قال ابن عابدين‏:‏ لأنّ ذلك إن كان من قبيل الدّواء أو من قبيل التّفكّه، فكلّ من الدّواء والتّفكّه لا يلزمه‏.‏

ولم يصرّح المالكيّة بذلك، إلاّ أنّ قواعدهم كالحنفيّة في أنّ الدّواء والتّفكّه لا يلزم الزّوج‏.‏

حكم التّداوي بالتّبغ

33 - من القواعد العامّة الّتي أجمع عليها الفقهاء أنّ الأشياء المحرّمة النّجسة المنصوص عليها كالخمر لا يجوز التّداوي بها‏.‏ أمّا ما لا نصّ فيه فإنّه يختلف باختلاف اجتهاد الفقهاء‏.‏ فمن قال بنجاسة الدّخّان وأنّه يسكر كالخمر لا يجوز عنده التّداوي به‏.‏

لكنّه عند جمهور الفقهاء طاهر ويجوز التّداوي به، كما يؤخذ ذلك من نصوصهم‏.‏ وهذا إذا كان يمكن التّداوي به‏.‏

قال الشّيخ عليش المالكيّ‏:‏ الدّخان متموّل، لأنّه طاهر فيه منفعة شرعيّة لمن اختلّت طبيعته باستعماله وصار له كالدّواء، فهو كسائر العقاقير الّتي يتداوى بها من العلل‏.‏

إمامة شارب الدّخّان

34 - نقل ابن عابدين عن الشّيخ العماديّ أنّه يكره الاقتداء بالمعروف بأكل الرّبا، أو شيء من المحرّمات، أو يداوم الإصرار على شيء من المكروهات، كالدّخّان المبتدع في هذا الزّمان‏.‏

تبكير

التّعريف

1 - التّبكير‏:‏ مصدر بكّر بالتّشديد، وأصله من الخروج بُكْرة أوّل النّهار، ويكون أيضاً بمعنى‏:‏ التّعجيل والإسراع أيّ وقت كان، يقال‏:‏ بكّر بالصّلاة أي‏:‏ صلّاها لأوّل وقتها، ويقال‏:‏ بكّروا بصلاة المغرب أي‏:‏ صلّوها عند سقوط القرص، وكلّ من أسرع إلى شيء فقد بكّر إليه‏.‏ ولم يخرج الفقهاء في استعمالهم عن هذين المعنيين‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّغليس‏:‏

2 - التّغليس في صلاة الفجر‏:‏ فعلها أوّل طلوع الفجر قبل انتشار الضّوء‏.‏

ب - الإسفار‏:‏

3 - الإسفار معناه‏:‏ الوضوح والظّهور، يقال‏:‏ أسفر الصّبح‏:‏ انكشف وأضاء، والإسفار بصلاة الصّبح في عرف الفقهاء هو‏:‏ فعلها عند انتشار ضوء الفجر‏.‏

الحكم التّكليفي

4 - التّبكير بأداء العبادات في أوّل أوقاتها مستحبّ لتحصيل الفضل والثّواب، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن أفضل الأعمال - قال‏:‏ «الصّلاة في أوّل وقتها» وهذا على الجملة عند الفقهاء‏.‏

5- ويستثنى من هذا الحكم ما نصّ على تأخيره لسبب، كالإبراد بصلاة الظّهر في وقت الحرّ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصّلاة»‏.‏

كذلك استثنى الحنابلة والحنفيّة صلاة العشاء، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لولا أن أشقّ على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء» وهو أيضاً قول عند المالكيّة والشّافعيّة، وزاد الحنفيّة صلاة العصر‏.‏

6- أمّا التّبكير بمعنى الخروج أوّل النّهار فهو وارد في صلاة الجمعة والعيدين‏.‏ فقد استحبّ التّبكير لهما من أوّل النّهار الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من غسّل يوم الجمعة واغتسل، وبكّر وابتكر كان له بكلّ خطوة يخطوها أجر سنة، صيامها وقيامها» وقال الإمام مالك‏:‏ لا يستحبّ التّبكير خشية الرّياء‏.‏

التّبكير لطلب الرّزق

7 - يستحبّ التّبكير بطلب الرّزق والتّجارة فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «باكروا للغدوّ في طلب الرّزق، فإنّ الغدوّ بركة ونجاح»‏.‏ قال ابن العربيّ‏:‏ يروى عن ابن عبّاس وغيره أنّ ما بعد صلاة الصّبح وقت يقسم اللّه فيه الرّزق بين العباد، وثبت أنّه وقت ينادي فيه الملك‏:‏ «اللّهمّ أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً»‏.‏ وهو وقت ابتداء الحرص ونشاط النّفس وراحة البدن وصفاء الخاطر، فيقسم لأجل ذلك كلّه وأمثاله‏.‏

التّبكير بالتّعليم

8 - ينبغي التّبكير بتعليم الصّبيان ما فرض اللّه على العباد من قول وفعل، لكي يأتي عليهم البلوغ وقد تمكّن ذلك في قلوبهم، وسكنت إليه أنفسهم، وأنست بما يعلمون به من ذلك جوارحهم‏.‏ وقد قال النّوويّ‏:‏ الصّحيح أنّه يجب على الآباء والأمّهات تعليم الأولاد الصّغار ما سيتعيّن عليهم بعد البلوغ من‏:‏ الطّهارة، والصّلاة، والصّوم، وتحريم الزّنى واللّواط والسّرقة وشرب المسكر، والكذب، ونحوها‏.‏

واستدلّ على ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا قوا أنفسَكم وأهليكم ناراً‏}‏ قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ومجاهد وقتادة‏:‏ معناه علّموهم ما ينجون به من النّار‏.‏

وتعليم الصّبيان يردّ العذاب الواقع بإرادة اللّه تعالى عن آبائهم، أو عمّن تسبّب في تعليمهم، أو عن معلّمهم، أو عنهم فيما يستقبل، أو عن المجموع، أو يردّ العذاب عموماً‏.‏

تبليغ

التّعريف

1 - التّبليغ‏:‏ مصدر بلّغ، أي‏:‏ أوصل، يقال بلّغه السّلام‏:‏ إذا أوصله‏.‏ وبلغ الكتاب بلوغاً‏:‏ وصل‏.‏

والتّبليغ في الاصطلاح أخصّ من ذلك، إذ يراد به‏:‏ الإعلام والإخبار، لأنّه إيصال الخبر‏.‏ والتّبليغ يكون شفاهاً وبالرّسالة والكتابة‏.‏

وأغلب تبليغ الرّسل كان مشافهةً‏.‏ والتّبليغ بالرّسالة‏:‏ أن يرسل شخص رسولاً إلى رجل، ويقول للرّسول مثلاً‏:‏ إنّي بعت عبدي هذا من فلان الغائب بكذا، فاذهب إليه، وقل له‏:‏ إنّ فلاناً أرسلني إليك، وقال لي‏:‏ قل له‏:‏ إنّي قد بعت عبدي هذا من فلان بكذا، فإن ذهب الرّسول وبلّغ الرّسالة، فقال المشتري في مجلسه ذلك‏:‏ قبلت، انعقد البيع، لأنّ الرّسول سفير ومعبّر عن كلام المرسل، ناقل كلامه إلى المرسل إليه، فكأنّه حضر بنفسه فأوجب البيع، وقبل الآخر في المجلس‏.‏ فالرّسالة بعض وسائل التّبليغ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الكتابة‏:‏

2 - الكتابة هي‏:‏ أن يكتب الرّجل إلى رجل إنّي بعت منك فرسي - ويصفه - بمبلغ كذا، فبلغ الكتاب المرسل إليه، فقال في مجلسه‏:‏ اشتريت، تمّ البيع‏.‏ لأنّ خطاب الغائب كتابه، فكأنّه حضر بنفسه وخاطب بالإيجاب وقبل الآخر في المجلس، فالكتابة أيضاً أخصّ من التّبليغ‏.‏

الحكم التّكليفي

تبليغ الرّسالات‏:‏

3 - أوجب اللّه على رسله تبليغ رسالاته إلى من أرسلوا إليهم، لئلاّ يكون لهم على اللّه حجّة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏رُسُلاً مبشِّرين ومنذِرين لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حُجّةٌ بعد الرّسُل‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الرّسول بلِّغْ ما أُنزل إليك من ربّك، وإن لم تفعل فما بلّغتَ رسالته، واللّه يَعْصِمُك من النّاس‏}‏‏.‏ قال ابن عبّاس‏:‏ المعنى بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربّك، فإن كتمت شيئاً منه فما بلّغت رسالته‏.‏ وهذا تأديب للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وتأديب لحملة العلم من أمّته ألاّ يكتموا شيئاً من أمر شريعته‏.‏

وفي صحيح مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ «من حدّثك أنّ محمّداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد كذب، واللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏يا أيّها الرّسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإنْ لم تفعل فما بلّغت رسالته‏}‏»

وعن أبي جحيفة قلت لعليّ رضي الله عنه‏:‏ «هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في القرآن‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏.‏ والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة، إلاّ فهماً يعطيه اللّه رجلاً في القرآن، وما في هذه الصّحيفة، قلت‏:‏ وما في هذه الصّحيفة‏؟‏ قال‏:‏ العقل، وفكاك الأسير، وألاّ يقتل مسلم بكافر»‏.‏

تبليغ الدّعوة الإسلاميّة

4 - تبليغ الدّعوة الإسلاميّة لغير المسلمين واجب على الكفاية، فقد أرسل الرّسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك غير المسلمين يدعوهم إلى الإسلام، فكتب إلى المقوقس وغيره، وجرى على ذلك أصحابه‏.‏

التّبليغ خلف الإمام‏:‏

5 - من سنن الصّلاة جهر الإمام بالتّكبير والتّسميع والسّلام بقدر الحاجة ليسمّع المأمومين، فإن زاد على الحاجة زيادةً كبيرةً كره‏.‏

والتّكبير للإعلام بالدّخول في الصّلاة والانتقال فيها يكون من الإمام، فإن كان صوته لا يبلغ من وراءه فينبغي التّبليغ عنه من أحد المأمومين، والمراد من التّكبير ما يشمل تكبيرة الإحرام وغيرها‏.‏ وقال ابن قدامة‏:‏ يستحبّ للإمام أن يجهر بالتّكبير، بحيث يسمع المأمومون ليكبّروا، فإنّهم لا يجوز لهم التّكبير إلاّ بعد تكبيره، فإن لم يمكنه إسماعهم جهر بعض المأمومين ليسمعهم، أو ليسمع من لا يسمع الإمام‏.‏ لما روى جابر رضي الله عنه قال‏:‏ «صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفه، فإذا كبّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كبّر أبو بكر ليسمعنا» وفي كلّ مذهب تفصيل‏:‏

فعند الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ أنّ الإمام إذا كبّر للافتتاح فلا بدّ لصحّة صلاته من قصده بالتّكبير الإحرام بالصّلاة، وإلاّ فلا صلاة له إذا قصد الإعلام فقط‏.‏ فإن جمع بين الأمرين بأن قصد الإحرام والإعلام فذلك هو المطلوب منه شرعاً‏.‏ وكذلك المبلّغ إذا قصد التّبليغ فقط خالياً عن قصد الإحرام فلا صلاة له، ولا لمن يصلّي بتبليغه في هذه الحالة، لأنّه اقتدى بمن لم يدخل في الصّلاة‏.‏ فإن قصد بتكبيره الإحرام مع التّبليغ للمصلّين، فذلك هو المقصود منه شرعاً‏.‏ ووجهه‏:‏ أنّ تكبيرة الإحرام شرط أو ركن، فلا بدّ في تحقّقها من قصد الإحرام أي الدّخول في الصّلاة‏.‏

وأمّا التّسميع من الإمام، والتّحميد من المبلّغ، وتكبيرات الانتقالات منهما، إذا قصد بما ذكر الإعلام فقط، فلا فساد للصّلاة‏.‏ والفرق أنّ قصد الإعلام غير مفسد، كما لو سبّح ليعلم غيره أنّه في الصّلاة‏.‏ ولمّا كان المطلوب هو التّكبير على قصد الذّكر والإعلام، فإذاً محض قصد الإعلام فكأنّه لم يذكر، وعدم الذّكر في غير التّحريمة غير مفسد‏.‏

وعند المالكيّة أنّه يجوز اتّخاذ شخص معيّن ليسمع النّاس، وتصحّ صلاته، ولو قصد بتكبيره وتحميده مجرّد إسماع المأمومين‏.‏

وعندهم أنّه يصحّ أن يكون المسمع ‏(‏المبلّغ‏)‏ صبيّاً أو امرأةً أو محدثاً، وذلك مبنيّ على أنّ المسمع علامة على صلاة الإمام، وذلك هو اختيار المازريّ واللّقانيّ‏.‏ وفي رأي‏:‏ أنّ المسمع نائب ووكيل عن الإمام، فلا يجوز له التّسميع حتّى يستوفي شرائط الإمام‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ أنّه يستحبّ الجهر من الإمام ليسمع المأمومين انتقالاته في الصّلاة، كالجهر بتكبيرة الإحرام، فإن لم يجهر الإمام بحيث يسمع الجميع استحبّ لبعض المأمومين رفع صوته ليسمعهم‏.‏

تبليغ السّلام‏:‏

6 - أجمع العلماء على أنّ الابتداء بالسّلام سنّة مرغّب فيها، وردّه فريضة لقوله تعالى‏:‏

‏{‏وإذا حُيِّيتم بتحيّةٍ فحَيُّوا بأحسنَ منها أو ردُّوها‏}‏

فقد أمر اللّه بالتّحيّة بأحسن منها أو بالرّدّ‏.‏ والأمر للوجوب ما لم يصرفه صارف، والظّاهر أنّ الحكم كذلك في المكاتبة، أو بالطّلب إلى رسول تبليغ السّلام، كما ينبغي لمن تحمّل السّلام أن يبلّغه‏.‏ «قالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ وعليه السّلام ورحمة اللّه حين أخبرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ جبريل عليه السلام يقرأ عليها السّلام»‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ وفي حديث عائشة من الفقه أنّ الرّجل إذا أرسل إلى رجل بسلامه، فعليه أن يردّ كما يردّ عليه إذا شافهه‏.‏ «وجاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّ أبي يقرئك السّلام‏.‏ فقال وعليك السّلام، وعلى أبيك السّلام»‏.‏

تبليغ الوالي عن الجناة المستترين‏:‏

7 - المنصوص عليه في المذاهب أنّ ما لم يظهر من المحظورات، فليس لأحد - محتسباً كان أو غيره - أن يتجسّس عنها، ولا أن يهتك الأستار، فقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر اللّه تعالى، فإنّه من يُبْدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب اللّه تعالى»‏.‏

وأمّا عند الظّهور ففيه تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏تجسّس وشهادة‏)‏‏.‏

تبنّي

التّعريف

1 - التّبنّي‏:‏ اتّخاذ الشّخص ولد غيره ابناً له، وكان الرّجل في الجاهليّة يتبنّى الرّجل، فيجعله كالابن المولود له، ويدعوه إليه النّاس، ويرث ميراث الأولاد‏.‏

وغلب في استعمال العرب لفظ ‏(‏ادّعاء‏)‏ على التّبنّي، إذا جاء في مثل ‏(‏ادّعى فلان فلاناً‏)‏ ومنه ‏(‏الدّعيّ‏)‏ وهو المتبنّي، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما جَعَلَ أَدْعِيَاءَكم أبناءَكم‏}‏‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ التّبنّي عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الاستلحاق‏:‏

2 - ألحق القائف الولد بأبيه‏:‏ أخبر أنّه ابنه لشبه بينهما يظهر له، واستلحقت الشّيء‏:‏ ادّعيته، وفي القاموس‏:‏ استلحق فلاناً‏:‏ ادّعاه، والاستلحاق يختصّ بالأب وحده، وهو الإقرار بالنّسب عند الحنفيّة، ولا يقع الاستلحاق إلاّ على مجهول النّسب‏.‏

فالاستلحاق لا يكون إلاّ بالنّسبة لمجهول النّسب، في حين أنّ التّبنّي يكون بالنّسبة لكلّ من مجهول النّسب ومعلوم النّسب، وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏استلحاق‏)‏‏.‏

ب - البنوّة‏:‏

3 - الابن‏:‏ الذّكر من الأولاد، والاسم‏:‏ البنوّة‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ يطلق الابن على الابن الصّلبيّ من نسب حقيقيّ، فتكون البنوّة من نسب أصليّ، ويطلق الابن على ابن الابن وإن نزل مجازاً‏.‏

فالفرق بين البنوّة والتّبنّي‏:‏ أنّ البنوّة ترجع إلى النّسب الأصليّ، أمّا التّبنّي فهو ادّعاء الرّجل أو المرأة من ليس ولداً لهما‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏بنوّة‏)‏‏.‏

ج - الإقرار بالنّسب‏:‏

4 - إقرار الأب أو الأمّ بالبنوّة دون ذكر السّبب مع عدم إلحاق الضّرر أو العار بالولد، هو الإقرار بالنّسب المباشر‏.‏ فالإقرار تصحيح للنّسب بعد أن كان مجهولاً‏.‏

أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب ومعلومه، والتّبنّي قد أبطله الإسلام، أمّا الإقرار بالنّسب فقائم ولا يصحّ الرّجوع فيه، ولا يجوز نفيه بعد صدوره‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إقرار‏)‏‏.‏

د - اللّقيط‏:‏

5 - ادّعاء اللّقيط شكل من أشكال الإقرار بالنّسب، واللّقيط هو الصّغير الّذي وجد في مكان يصعب فيه التّعرّف على أبويه‏.‏ أمّا التّبنّي فيكون لمجهول النّسب كما يكون لمعلوم النّسب، وادّعاء اللّقيط في الحقيقة ردّ إلى نسب حقيقيّ في الظّاهر، ولا يحمل التّبنّي هذا المعنى‏.‏

الحكم التّكليفي

6 - حرّم الإسلام التّبنّي، وأبطل كلّ آثاره، وذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما جعل أدعياءَكم أبناءَكم ذلكم قولُكم بأفواهِكم واللّهُ يقولُ الحقَّ وهو يهدي السّبيلَ‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ادْعوهم لآبائِهم‏}‏‏.‏

وقد كان التّبنّي معروفاً عند العرب في الجاهليّة وبعد الإسلام، فكان الرّجل في الجاهليّة إذا أعجبه من الرّجل جلده وظرفه ضمّه إلى نفسه، وجعل له نصيب ابن من أولاده في الميراث، وكان ينسب إليه فيقال‏:‏ فلان بن فلان‏.‏ وقد «تبنّى الرّسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة قبل أن يشرّفه اللّه بالرّسالة، وكان يدعى زيد بن محمّد، واستمرّ الأمر على ذلك إلى أن نزل قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما جعل أدعياءكم أبناءكم‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وكان اللّه غفوراً رحيماً‏}‏ وبذلك أبطل اللّه نظام التّبنّي»، وأمر من تبنّى أحداً ألاّ ينسبه إلى نفسه، وإنّما ينسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف، فإن جهل أبوه دعي ‏(‏مولًى‏)‏ ‏(‏وأخاً في الدّين‏)‏ وبذلك منع النّاس من تغيير الحقائق، وصينت حقوق الورثة من الضّياع أو الانتقاص‏.‏

تَبْوِئة

التّعريف

1 - التّبوئة في اللّغة‏:‏ مصدر بوّأ، بمعنى أسكن، يقال‏:‏ بوّأته داراً‏:‏ أي أسكنته إيّاها‏.‏ والمُبَوَّأُ المنزل الملزوم، ومنه‏:‏ بوّأه اللّه منزلاً‏:‏ أي ألزمه إيّاه وأسكنه، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد بَوَّأنَا بني إسرائيلَ مُبَوَّأ صِدْقٍ‏}‏ ومنه أيضاً حديث‏:‏ «من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النّار‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏ وهي في الاصطلاح‏:‏ أن يخلّي المولى بين الأمة وبين زوجها ويدفعها إليه ولا يستخدمها‏.‏ أمّا إذا كانت تذهب وتجيء وتخدم مولاها فلا يكون ذلك تبوئةً‏.‏ ولمعرفة أحكامها تنظر مباحث ‏(‏النّكاح‏)‏ من كتب الفقه وانظر أيضاً مصطلح ‏(‏رقّ‏)‏‏.‏

تبيع

التّعريف

1 - التّبيع في اللّغة‏:‏ ولد البقر في السّنة الأولى، ويسمّى تبيعاً لأنّه يتبع أمّه، والأنثى تبيعة، وجمع المذكّر أتبعة، وجمع الأنثى تباع‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ لا يخرج معنى تبيع، وتبيعة عمّا ورد في اللّغة، وهذا عند الحنفيّة والحنابلة، والمعتمد عند الشّافعيّة‏.‏ وعند المالكيّة‏:‏ ما أوفى سنتين ودخل في الثّالثة‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - أجمع الفقهاء على أنّ التّبيع يكون واجباً في نصاب البقر إذا بلغت ثلاثين، لحديث معاذ رضي الله عنه قال‏:‏ «بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً‏.‏‏.‏‏.‏» إلخ‏.‏

ووجوب التّبيع فيما زاد عن الثّلاثين تفصيله في مصطلح ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

تبييت

التّعريف

1 - التّبييت لغةً‏:‏ مصدر بيّت الأمر إذا دبّره ليلاً، وبيّت النّيّة على الأمر‏:‏ إذا عزم عليه ليلاً فهي مبيّتة بالفتح‏.‏ وبيّت العدوّ‏:‏ أي داهمه ليلاً‏.‏ وفي التّنزيل العزيز ‏{‏إذْ يُبَيِّتُون ما لا يرضى من القولِ‏}‏ وفي السّيرة‏:‏ «هذا أمر بُيِّتَ بليل»‏.‏

والتّبييت في الاصطلاح بمعناه اللّغويّ، والبيات اسم المصدر، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَفَأمِنَ أهلُ القرى أن يأتيَهم بَأسُنا بَيَاتَاً وهم نائمون‏}‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإغارة‏:‏

2 - يطلق العرب البيات أو التّبييت على الإغارة على العدوّ ليلاً‏.‏

وفي التّنزيل‏:‏ ‏{‏قالوا تقاسَمُوا باللّه لَنُبَيِّتَنَّهُ وأهلَه ثمّ لنقولَنّ لوليّه ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أهلِه وإنّا لصادقون‏}‏ فالفرق بين تبييت العدوّ وبين الإغارة عليه‏:‏ أنّ الإغارة مطلقة، إذ تكون ليلاً أو نهاراً، أمّا التّبييت فهو في اللّيل‏.‏

ب - البيتوتة‏:‏

3 - البيتوتة‏:‏ مصدر بات، ومعناها الفعل باللّيل، فهو بهذا المعنى أعمّ من البيات، ويندر استعمالها بمعنى النّوم ليلاً‏.‏

ويستعملها الفقهاء أحياناً في آثار القسم بين الزّوجات، وبهذا المعنى يخالف البيات‏.‏

حكم التّبييت

أوّلاً‏:‏ تبييت العدوّ‏:‏

4 - تبييت العدوّ جائز لمن يجوز قتالهم، وهم الكفّار الّذين بلغتهم الدّعوة ورفضوها، ولم يقبلوا دفع الجزية، ولم يكن بيننا وبينهم عقد ذمّة ولا هدنة‏.‏

قال أحمد رحمه الله‏:‏ لا بأس بالبيات، وهل غزو الرّوم إلاّ البيات‏؟‏ قال‏:‏ ولا نعلم أحداً كره تبييت العدوّ‏.‏ وعن الصّعب بن جثّامة قال‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسأل عن أهل الدّيار من المشركين‏:‏ نبيّتهم فنصيب من نسائهم وذراريّهم فقال‏:‏ هم منهم» فإن قيل‏:‏ قد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل النّساء والذّرّيّة‏.‏ قلنا‏:‏ هذا محمول على التّعمّد لقتلهم‏.‏ والجمع بينهما ممكن بحمل النّهي على التّعمّد، والإباحة على ما عداه‏.‏ والمسألة فيها تفريعات فيما إذا كان مع الكفّار مسلم وقتل، تنظر في‏:‏ ‏(‏الجهاد والدّيات‏)‏‏.‏ فإن بيّت الإمام أو أمير الجيش قبل الدّعوة أثم، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فانْبِذْ إليهم على سَوَاء‏}‏‏.‏ واختلف الفقهاء في ضمان من يقتل منهم بالتّبييت‏:‏ فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه لا يضمن، لأنّه لا إيمان له، ولا أمان، فلم يضمن‏.‏

وذهب بعض الشّافعيّة إلى أنّه يضمن بالدّية والكفّارة، ونقل ذلك عن الشّافعيّ‏.‏

ويرى بعض الفقهاء‏:‏ أنّ أهل الكتاب والمجوس لا تجب دعوتهم قبل القتال، لأنّ الدّعوة قد بلغتهم، ولأنّ كتبهم قد بشّرت بالرّسالة المحمّديّة‏.‏ ويدعى عبدة الأوثان قبل أن يحاربوا‏.‏

5- أمّا من بلغتهم الدّعوة، فتستحبّ الدّعوة قبل التّبييت مبالغةً في الإنذار، وليعلموا أنّنا نقاتلهم على الدّين لا على سلب الأموال وسبي الذّراريّ، وقد ثبت «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمر عليّاً حين أعطاه الرّاية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم»، وهم ممّن بلغتهم الدّعوة‏.‏ ويجوز بياتهم بغير دعاء، لأنّه صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه أغار على بني المصطلق ليلاً وهم غافلون»‏.‏ «وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحاً»‏.‏ «وسئل عن المشركين يبيّتون، فيصاب من نسائهم وذراريّهم فقال‏:‏ هم منهم»‏.‏ وكانوا جميعاً ممّن بلغتهم الدّعوة وإلاّ لم يبيّتوا للأدلّة السّابقة‏.‏

ثانياً‏:‏ تبييت النّيّة في صوم رمضان‏:‏

6 - ذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب تبييت النّيّة في صوم رمضان ما بين غروب الشّمس إلى طلوع الفجر الثّاني‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يستحبّ التّبييت، لكن تجزئ النّيّة نهاراً إلى الزّوال، وفي ذلك تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏الصّوم، والنّيّة‏)‏‏.‏

مواطن البحث

7 - يذكر الفقهاء التّبييت في كتاب‏:‏ ‏(‏السّيرة، والجهاد‏)‏‏.‏